فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربي:

قوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} فِيهَا ثَمَانِي مَسَائِلَ:

.الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {الَّذِينَ آمَنُوا}:

هُمْ الَّذِينَ عَلِمُوا التَّوْحِيدَ، وَصَدَّقُوا بِهِ، وَأَمَّنُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ الْوَعِيدِ فِيهِ.

.المسألة الثانية: قَوْلُهُ: {وَهَاجَرُوا}:

هُمْ الَّذِينَ تَرَكُوا أَوْطَانَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ إيثَارًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِي إعْلَاءِ دِينِهِ، وَإِظْهَارِ كَلِمَتِهِ، وَلُزُومِ طَاعَتِهِ، وَعُمُومِ دَعَوْتِهِ.

.المسألة الثالثة: {وَجَاهَدُوا}:

أَيْ الْتَزَمُوا الْجَهْدَ؛ وَهِيَ الْمَشَقَّةُ فِي أَنْفُسِهِمْ، بِتَعْرِيضِهَا لِلْإِذَايَةِ وَالنِّكَايَةِ وَالْقَتْلِ، وَبِأَمْوَالِهِمْ بِإِهْلَاكِهَا فِيمَا يُرْضِي اللَّهَ.

.المسألة الرابعة: قَوْلُهُ: {وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا}:

هُمْ الْأَنْصَارُ الَّذِي تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ، وَانْضَوَى إلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُهَاجِرُونَ.

.المسألة الخامسة: {أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}:

فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: فِي النُّصْرَةِ.
الثَّانِي: فِي الْمِيرَاثِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: جَعَلَ اللَّهَ الْمِيرَاثَ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ.

.المسألة السادسة: قال: {وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}:

قِيلَ: مِنْ النُّصْرَةِ لِبُعْدِ دَارِهِمْ.
وَقِيلَ: مِنْ الْمِيرَاثِ لِانْقِطَاعِ وَلَايَتِهِمْ.

.المسألة السابعة: {وَإِنْ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ}:

يُرِيدُ إنْ دَعَوْا مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ عَوْنَكُمْ بِنَفِيرٍ أَوْ مَالٍ لِاسْتِنْقَاذِهِمْ، فَأَعِينُوهُمْ؛ فَذَلِكَ عَلَيْكُمْ فَرْضٌ، إلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ، فَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عَلَيْهِمْ يُرِيدُ حَتَّى يَتِمَّ الْعَهْدُ أَوْ يُنْبَذَ عَلَى سَوَاءٍ.

.المسألة الثامنة: قَوْلُهُ: {أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}:

أَمَّا قَوْلُهُ: {أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}: يَعْنِي فِي النُّصْرَةِ أَوْ فِي الْمِيرَاثِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ، فَلَا يُبَالَى بِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ حُكْمَ الْمِيرَاثِ بِقَوْلِهِ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى عُصْبَةٍ ذَكَرٍ».
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}: فَإِنَّ ذَلِكَ عَامٌّ فِي النُّصْرَةِ وَالْمِيرَاثِ؛ فَإِنَّ مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ عَلَى إيمَانِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُعْتَدًّا لَهُ بِهِ، وَلَا مُثَابًا عَلَيْهِ حَتَّى يُهَاجِرَ.
ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِفَتْحِ مَكَّةَ وَالْمِيرَاثِ بِالْقَرَابَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَارِثُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ السَّلَامِ؛ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْهِجْرَةِ بِالسَّنَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا أُسَرَاءَ مُسْتَضْعَفِينَ؛ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ مَعَهُمْ قَائِمَةٌ، وَالنُّصْرَةَ لَهُمْ وَاجِبَةٌ بِالْبَدَنِ بِأَلَّا يَبْقَى مِنَّا عَيْنٌ تَطْرِفُ حَتَّى نَخْرُجَ إلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ إنْ كَانَ عَدَدُنَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، أَوْ نَبْذُلَ جَمِيعَ أَمْوَالِنَا فِي اسْتِخْرَاجِهِمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ دِرْهَمٌ كَذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ الْعُلَمَاءِ: فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى مَا حَلَّ بِالْخَلْقِ فِي تَرْكِهِمْ إخْوَانَهُمْ فِي أَسْرِ الْعَدُوِّ، وَبِأَيْدِيهِمْ خَزَائِنُ الْأَمْوَالِ وَفُضُولُ الْأَحْوَالِ وَالْعُدَّةُ وَالْعَدَدُ، وَالْقُوَّةُ وَالْجَلَدُ. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ} يعني صدقوا بتوحيد الله تعالى وبمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، {وَهَاجَرُواْ} من مكة إلى المدينة، {وجاهدوا} العدو {بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ في سَبِيلِ الله}، يعني في طاعته وفيما فيه رضاه.
ثم ذكر الأنصار فقال: {والذين ءاوَواْ وَّنَصَرُواْ}، يعني أووا ونصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين، يعني أنزلوهم وأسكنوهم ديارهم ونصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبق.
{أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}، يعني في الميراث وفي الولاية ليرغبهم في الهجرة وكانت الهجرة فريضة في ذلك الوقت.
ثم قال: {والذين ءاوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ} إلى المدينة.
{مَا لَكُم مّن ولايتهم مّن شيء} في الميراث.
قرأ حمزة {ولايتهم} بكسر الواو، وقرأ الباقون {ولايتهم} بالنصب، يعني النصرة، ومن قرأ بالكسر فهو من الإمارة والسلطان.
ثم قال: {حتى يُهَاجِرُواْ}، يعني إلى المدينة.
يا رسول الله، هل نعينهم إذا استعانوا بنا؟ يعني الذين آمنوا ولم يهاجروا فنزل: {وَإِنِ استنصروكم في الدين}، يعني استعانوا بكم على المشركين فانصروهم، {فَعَلَيْكُمُ النصر} على من قاتلهم، {إِلاَّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مّيثَاقٌ}؛ يعني إلا أن يقاتلوا قومًا بينكم وبينهم عهد، فلا تنصروهم عليهم وأصلحوا بينهم.
{والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} في العون والنصرة. اهـ.

.قال الثعلبي:

{إِنَّ الذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ}
قومهم وعشيرتهم ودورهم يعني المهاجرين {وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله والذين آوَواْ} رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين رضي الله عنهم، أي أسكنوهم منازلهم: {ونصروا} على أعدائهم، وهم الأنصار {أولئك بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} دون أقربائهم من الكفار، وقال ابن عباس: هذا في الميراث، كانوا يتوارثون بالهجرة، وجعل الله الميراث للمهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام، وكان الذي آمن ولم يهاجر لايرث لأنه لم يهاجر، ولم ينصر، وكانوا يعملون بذلك، حتى أنزل الله عز وجل: {وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله} فنسخت هذا وصار الميراث لذوي الارحام المؤمنين ولا يتوارث أهل ملّتين.
{والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ} يعني الميراث {حتى يُهَاجِرُواْ} وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي بكسر الواو، والباقون بالفتح وهما واحد، وقال الكسائي: الولاية بالنصب: الفتح، والولاية بالكسر: الإِمارة.
{وَإِنِ استنصروكم فِي الدين فَعَلَيْكُمُ النصر} لأنهم مسلمون {إِلاَّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ} عهد {والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ} يعني بالله.
{وَهَاجَرُواْ} يعني هاجروا وتركوا ديارهم في طاعة الله.
{وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِم وَأنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} والمجاهدة بالمال: النفقة، والمجاهدة بالنفس القتال، وهؤلاء هم المهاجرون مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
ثم قال: {وَالَّذِينَ ءَاوَواْ وَنَصَرُواْ} يعني الأنصار الذين آووا المهاجرين في منازلهم ونصروا النبي صلى الله عليه وسلم ونصروهم.
{أَوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} فيه تأويلان:
أحدهما: أولئك بعضهم أعوان بعض، قاله الجمهور. والثاني: أولئك بعضهم أولى بميراث بعض. قال ابن عباس: جعل الله تعالى الميراث للمهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام.
ثم قال تعالى: {وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يُهَجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ} يعني ما لكم من ميراثهم من شيء حتى يهاجروا فكانوا يعلمون ذلك حتى أنزل الله تعالى: {وَأُولُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُم أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كَتَابِ اللَّهِ} يعني في الميراث فنسخت التي قبلها وصار التوارث لذوي الأرحام، قاله مجاهد وعكرمة والحسن والسدي. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا}
مقصد هذه الآية وما بعدها تبيين منازل المهاجرين والأنصار والمؤمنين الذين لم يهاجروا، والكفار والمهاجرين بعد الحديبية، وذكر نسب بعضهم من بعض، فقدم أولًا ذكر المهاجرين وهم أصل الإسلام، وانظر تقديم عمر لهم في الاستشارة وهاجر معناه أهله وقرابته وهجروه، {وجاهدوا} معناه أجهدوا أنفسهم في حرب من أجهد نفسه في حربهم، {والذين آوو ونصروا} هم الأنصار وآوى معناه هيأ مأوى وهوالملجأ والحرز، فحكم الله على هاتين الطائفتين بأن {بعضهم أولياء بعض}، فقال كثير من المفسرين هذه الموالاة هي المؤازرة والمعاونة واتصال الأيدي، وعليه فسر الطبري الآية، وهذا الذي قالوا لازم من دلالة اللفظ، وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد وكثير منهم إن هذه الموالاة هي في الميراث، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، وكانت بين الأنصار أخوة النسب وكانت أيضًا بين بعض المهاجرين فكان المهاجريّ إذا مات ولم يكن له بالمدينة ولي مهاجريّ وورثه أخوه الأنصاري، وإن كان له ولي مسلم لم يهاجر، وكان المسلم الذي لم يهاجر لا ولاية بينه وبين قريبه المهاجري لا يرثه، قال ابن زيد: واستمر أمرهم كذلك إلى فتح مكة، ثم توارثوا بعد ذلك لما لم تكن هجرة.
قال القاضي أبو محمد: فذهبت هذه الفرقة إلى أن هذا هو مقصد الآية، ومن ذهب إلى أنها في التآزر والتعاون فإنما يحمل نفي الله تعالى ولايتهم عن المسلمين على أنها صفة الحال لا أن الله حكم بأن لا ولاية بين المهاجرين وبينهم جملة، وذلك أن حالهم إذا كانوا متباعدي الأقطار تقتضي أن بعضهم إن حزبه حازب لا يجد الآخر ولا ينتفع به فعلى هذه الجهة نفي الولاية، وعلى التأولين ففي الآية حض للأعراب على الهجرة، قاله الحسن بن أبي الحسن، ومن رأى الولاية في الموارثة فهو حكم من الله ينفي الولاية في الموارثة، قالوا: ونسخ ذلك قوله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأنفال: 75]، وقرأ جمهور السبعة والناس {وَلايتهم} بفتح الواو والوَلاية أيضًا بالفتح، وقرأ الكسائي {وَلايتهم} بفتح الواو والوِلاية بكسر الواو، وقرأ الأعمش وابن وثاب {وِلايتهم} والوِلاية بكسر الواو وهي قراءة حمزة، قال أبو علي والفتح أجود لأنها في الدين، قال أبو الحسن الأخفش والكسر فيها لغة وليست بذلك ولحن الأصمعي والأعمش وأخطأ عليه لأنها إذا كانت لغة فلم يلحن.
قال القاضي أبو محمد: لاسيما ولا يظن به إلا أنه رواها، قال أبو عبيدة: الوِلاية بالكسر هي من وليت الأمر إليه فهي من السلطان، والولاية هي من المولى، يقال مولى بين الوَلاية بفتح الواو، وقوله: {وإن استنصروكم} يعني إن استدعى هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا نصركم على قوم من الكفرة فواجب عليكم نصرهم إلا إن استنصروكم على قوم كفار قد عاهدتموهم أنتم وواثقتموهم على ترك الحرب فلا تنصروهم عليهم لأن ذلك عذر ونقض للميثاق وترك لحفظ العهد والوفاء به، والقراءة {فعليكم النصرُ} برفع الراء، ويجوز {فعليكم النصر} على الإغراء، ولا أحفظه قراءة، وقرأ جمهور الناس {والله بما تعملون} على مخاطبة المؤمنين، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والأعرج {بما يعملون} بالياء على ذكر الغائب. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله}
يعني: المهاجرين الذين هجروا ديارهم وأموالهم وقومهم في نصرة الدين.
{والذين آووا ونصروا} يعني: الأنصار آووا رسولَ الله، وأسكنوا المهاجرين ديارهم، ونصروهم على أعدائهم.
{أولئك بعضهم أولياء بعض} فيه قولان:
أحدهما: في النصرة.
والثاني: في الميراث.
قال المفسرون: كانوا يتوارثون بالهجرة، وكان المؤمن الذي لم يهاجر لا يرث قريبه المهاجر، وهو معنى قوله: {مالكم من وَلاَيتهم من شيء} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وابن عامر، وعاصم، والكسائي: {وَلايتهم} بفتح الواو.
وقرأ حمزة: بكسر الواو.
قال الزجاج: المعنى: ليس بينكم وبينهم ميراث حتى يهاجروا.
ومن كسر واو الولاية، فهي بمنزلة الإمارة؛ وإذا فتحت، فهي من النصرة.
وقال يونس النحوي: الوَلاية بالفتح، لله عز وجل، والوِلاية بالكسر، من وُليِّت الأمر.
وقال أبو عبيدة: الوَلاية بالفتح، للخالق؛ والوِلاية، للمخلوق.
قال ابن الأنباري: الوَلاية بالفتح مصدر الوليِّ، والوِلاية: مصدر الوالي، يقال: وليّ بين الوَلاية، ووالٍ بيِّن الولاية؛ فهذا هو الاختيار؛ ثم يصلح في ذا ما يصلح في ذا.
وقال ابن فارس: الوَلاية بالفتح: النصرة، وقد تكسر.
والوِلاية، بالكسر: السلطان.
فصل:
وذهب قوم إلى أن المراد بهذه الولاية موالاة النصر والمودَّة.
قالوا: ونسخ هذا الحكم بقوله: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} [التوبة: 71].
فأما القائلون بأنها ولاية الميراث، فقالوا: نسخت بقوله: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأنفال: 75].
قوله تعالى: {وإن استنصروكم في الدين} أي: إن استنصركم المؤمنون الذين لم يهاجروا فانصروهم، إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم عهد، فلا تغدروا بأرباب العهد.
وقال بعضهم: لم يكن على المهاجر أن ينصرَ من لم يهاجر إلا أن يستنصره. اهـ.